Mohammed khallouq
== فن التعامل مع الشخص المتكبر في الاسلام ==
* التعامل مع المتكبر المفتخر بنفسه : - معني الكبر وصفات المتكبر : " الكبر هو التجبر والتظاهر بالتواضع حيث يصاب الإنسان بالقلق والاضطراب إذ أن نفسه أمارة بالسوء عدوانية تخفيه بالرياء والنفاق والتواضع الظاهري " ([1])
ويعرّف الغزالي الكبر والمتكبر فيقول " وأما العجب والكبر والفخر فهو الداء العضال وهو نظر العبد إلي نفسه بعين العزة والاستعظام وإلي غيره بعين الاحتكار والذل ونتيجته علي اللسان أن يقول أنا وأنا قال إبليس اللعين :{أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}الأعراف:12 وثمرته في المجالس الترفع والتقدم وطلب التصدر فيها وفي المحاورة الاستنكاف من أن يُرد كلامه عليه " وهذه من صفات المتكبر والذي يعرفه بقوله: " المتكبر هو الذي إن وُعظ أنف أو وعَظَّ عنف فكل من رأى نفسه خيراً من أحد من خلق الله تعالي فهو متكبر" ([2])
ويعرّف الغزالي الكبر في موضع آخر بقوله :"وأما الكبر فهو الخصلة المهلكة رأساً أما تسمع قول الله تعالي عن إبليس : { أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} البقرة:34وأما حد الكبر : فاعلم أنه خاطر في رفع النفس واستعظامها والتكبر اتباع ما ينافي التواضع " ([3])
وهنا لابد أن نؤكد علي أن فلاسفة الأخلاق ذهبوا إلي أن من الفخر بالنفس ما يجب أن يعمل الإنسان علي الحرص عليه وذلك في مواضع معينة فقط يكون الفخر بدونها أو ما عداها أمراً مرذولاً كافتخارك بحسن خلقك وإرادتك الخيرة وحرصك على ذلك فهنا نفسك تستحق الاحترام لا أن تحتقرها وهو ما ذكره أندريه كريسون بقوله : " عبارة عش من أجل الشرف معناها ..عش بحيث يمكنك أن تكون فخوراً بنفسك المرء سيكون كذلك منذ اللحظة التي يتكون فيها شعوره ببذل ما في وسعه لتحسين سلوكه ولقد عاب الأخلاقيون - والحق معهم- الفخر الممقوت إنهم لم يبالغوا في بيان هذه الحقيقة :( إن الكبر الذي يثمر الشر هو بعينه الذي يثمر خيراً لا نهاية له إذا ما أحسن استعماله) وهذا الأخير هو الكبر الخيّر والخلاصة : أن الكبر عندما يساء استعماله يصير رذيلة وأما عندما يوجه وجهة خيّرة فإنه يغدو من أسمي مبادئ الفضيلة ولنؤكد أنه من الثابت المقرر أن الذي يحدد سلوك أكثرية الناس الفضلاء فجعلهم يعملون ما يعملونه دون سواه إنما هو في الواقع اهتمامهم بالشرف ... وإرادتهم أن لا يكونوا ( محتقرين عند أنفسهم ) هو إرادتهم أن يكونوا فخورين بأنفسهم فأنا مثلاً إذا فعلت هذا الأمر سأكون غير راض عن نفسي وأشعر بأنني أتيت أمراً إذا لم أسر علي الطريقة المثلى يجب أن أسير هكذا وإلا فإنني سأشعر باحتقاري لنفسي " ([4]) أي أن الفخر الإيجابي هو الترفع عن الإتيان بأفعال مستهجنة مع حرصك على الفضيلة .
كما أشار ابن قدامة المقدسي إلي مظاهر الكبر التي تعتري الإنسان وبعض خصال الشخصية المتكبرة بقولة :" إن التكبر يظهر في شمائل الإنسان كصعر وجهه ونظره شزراً وإطراق رأسه وجلوسه متربعاً ومتكئاً وفي أقواله حتى في صوته ونغمته وصيغة إيراده الكلام ويظهر ذلك أيضاً في مشيه وتبختره وقيامه وقعوده وحركاته وسكناته وسائر تقلباته . - ومن خصال المتكبر كما يقول ابن قدامة: 1- أنه يحب قيام الناس له والقيام علي ضربين : الأول: قيام علي رأسه وهو قاعد فهذا منهي عنه قال رسول الله r من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار" وهذه عاده الأعاجم والمتكبرين . الثاني: قيام عند مجيء الإنسان وقد كان السلف لا يفعلون ذلك . قال أنس: لم يكن شخص أحب إلينا من رسول الله r وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهته لذلك وقد قال العلماء يُستحب القيام للوالدين والإمام العادل وفضلاء الناس ....واستحباب هذا في حق القائم لا يمنع الذي يقام له أن يكره ذلك ويري أنه ليس بأهل لذلك . 2- أن لا يمشي إلا ومعه أحد يمشي خلفه ولا يزور أحدا تكبراً علي الناس ويستنكف ( يكره ) من جلوس أحد إلي جانبه أو مشيه معه، وقد روى أنس رضي الله عنه قال : كانت الأمة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله r فتنطلق به في حاجتها . 3- لا يتعاطى بيده شغلاً في بيته ولا يحمل متاعه من سوقه إلي بيته وهذا بخلاف ما كان عليه الرسول r وصحابته . ([5]) 4- كما أن المراء يعد من صفات الشخصية المتكبرة ويتشابه مع النرجسي في عشق الذات والسلوك الظاهري للمرائي يخالف سلوكه الباطني حيث يظهر من سلوكه الظاهري التقوى ويحرص علي خداع الناس وإيهامهم بالورع وقد خلا قلبه من نعمة التواضع وتعلق قلبه بحب ذاته وحب الدنيا وادعاء الإخلاص والتوبة ولا يعمل إلا لمنفعته الشخصية أو لإشباع غروره وتعجبه بنفسه أو لإخفاء أمراضه من نقص وعجز باستظهار العظمة والاستعلاء والغطرسة وطلب مدح الناس له وثناءهم عليه حتى تسكن مخاوفه وهذا ما يطلق عليه في علم النفس المعاصر "بالخوف الهستيري" كما أن من الرياء حب الرياسة والتعظيم وتسخير الناس لمصلحة المرائي ومن الرياء حب الاستعلاء في العلم أو العمل ليعلو صاحبه وليعلم الناس أنه أعلم العلماء فالرياء هو الكبر الخفي والذي هو أشد ضرراً من الكبر الظاهري لاقترانه بالنفاق والخداع للآخرين كما يعرفه صاحب " جامع السعادات " بإشارته إلى صورة الرياء في أثناء الحديث قائلاً:( اعلم أن المراء طعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه من غير غرض سوى تحقيره وإهانته وإظهار تفوقه وكياسته ) ([6])
- ذم الكبر ومنه الرياء والعجب والمدح
- جزاء الجبارين والمتكبرين وسوء عاقبتهم
عن أبي هريرة عن النبي r قال : " يجاء بالجبارين والمتكبرين رجال في صورة الذر يطؤهم الناس من هوانهم علي الله عز وجل حتى يقضي بين الناس قال ثم يذهب بهم إلي نار الأنيار قال : قيل: يا رسول الله وما نار الأنيار قال : " عصاة أهل النار " ([7]) إحباط الأعمال حين يرى الإنسان أن له فضلاً علي غيره وهذا ما أشار إليه الحارث المحاسبي في مواعظه قائلاً:"إني أخاف عليك أن ترى أن لك فضلاً على غيرك فيحبط ذلك جميع ما كنت فيه" ([8])
وقيل: " دع الكبر متي كنت من أهل النبل لم يضرك التبذل ومتي لم تكن من أهله لم ينفعك التنبل وقال المأمون: ما تكبر أحد إلا لنقص وجده في نفسه ولا تطاول إلا لوهن أحسه من نفسه " ([9])
كما أن حقيقة الإيمان يتنافى معها حب المدح وإنما التواضع وفي هذا يقول عبد الله ابن مسعودt:لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحل بذروته ولا يحل بذروته حتى يكون الفقر أحب إليه من الغنى والتواضع أحب إليه من الشرف وحتى يكون حامده وذامه عنده سواء" وفسرها أصحاب عبد الله قالوا حتى يكون الفقر في الحلال أحب إليه من الغنى في الحرام وحتى يكون التواضع في طاعة الله أحب إليه من الشرف في معصية الله وحتى يكون حامده وذامه في الحق سواء " وكان عبد الله ابن مسعود يقول:" كفي بخشية الله علماً وكفي بالاغترار جهلاً " ([10])
وقال سلمة بن دينار واعظاً سليمان بن عبد الملك حين سأله كيف لنا أن نصلح؟ فقال تدعون عنكم الصلف ( الكبر ) وتتحلون بالمروءة " ([11])
- ذم المراء
عن أنس بن مالك قال رسول الله r :"لا يجد أحدكم حقيقة الإيمان حتى يدع المراء وهو محق" ([12])
وفي حديث آخر: أن رسول الله r قال: إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا: يا رسول الله : وما الشرك الأصغر ؟ قال: الرياء يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جُزي الناس بأعمالهم : اذهبوا إلي الذين كنتم تراءون في الدنيا هل تجدون عندهم خيراً "وفي هذا يقول تعالي:{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً }الكهف:110وقد قال رسول الله r فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال:"من عمل عملاً أشرك فيه غيري فهو للذي أشرك وأنا منه برئ" وكان بشر بن الحافي يقول:" لأن أطلب الدنيا بمزمار أحب إلي من أن أطلبها بالدين " ([13])
يقول ابن عمر في النهي عنه " لن يصيب الرجل حقيقة الإيمان حتى يترك المراء وهو يعلم أنه صادق ويترك الكذب في المزاحة " ([14]) أي النهي عن حب الظهور والغلبة حتى وإن كان الإنسان صادقاً في أفعاله وأقواله حيت إن من الأثر السيىء للمراء المغالبة والتي تكون سبب للقطيعة كما أشار إلي ذلك علي بن الحسين رضي الله عنه بقوله: المراء يفسد الصداقة القديمة ويحل العقدة الوثيقة وأقل ما فيه أن تكون به المغالبة والمغالبة من أمتن أسباب القطيعة ومن دعائه : اللهم ارزقني خوف الوعيد وسرور رجاء الموعود حتى لأرجو إلا ما رجيت ولا أخاف ما خوّفت " ([15]) والمرائي هو أكثر الناس ضررا بسلوكه هذا حيث يجلب لنفسه مقت الناس له ورفضهم مساعدته قال ميمون بن مهران: لا تمار من هو أعلم منك فإنه يختزن عنك علمه ولم تضره شيئا وقال لقمان لابنه : من لا يملك لسانه يندم ومن يُكثر المراء يُشتم ومن يدخل مداخل السوء يُتهم ، يا بني لا تمار العلماء فيمقتوك ، المراء يقسي القلوب ويورث الضغائن إذا رأيت الرجل لجوجا مماريا معجبا بنفسه فقد تمت خسارته"
- النهي عن المراء في مجالس العلماء وقد قال السيوطي: "من أراد الدخول في مجلس العلماء فعليه أن يأتي بالتواضع والذل والخشوع والانكسار فمن أتى بهذه الصفات ينال المغفرة من الملك الجبار ومن أتى مثل قارون بالكبر والإكثار يجد القطيعة والعقوبة من الواحد القهار " ([16]) وقال مسعر بن كدام يخاطب ابنه :
إني منحتك يا كدام نصيحتي فـاسمع لقول أب عليك شفيق أما المزاحة والمراء فـدعهما خلقان لا أرضاهما لـصديـق إني بـلوتهما فـلم أخترهما لـمـجاور جـاراً ولا لرفيق
وهذا النهي عن المزاح يقول عنه عمر بن عبد العزيز: إياكم والمزاح فإنه يذهب بهاء المؤمن ويسقط مروءته " ([17])
- التعامل مع المرائي في العلم (العلاَّمة والمتعالم)
وهما اللذان ينتج سلوكهما عن رغبة في الحصول علي التقدير فإذا أردنا الكشف عن السلوك النفسي لكليهما حتى يتسنى لنا الوصول إلي الطريقة المثلى للتعامل معهما فإننا نجد الدراسات العلمية المتخصصة في هذا الصدد تشير إلي الآتي :
أولاً: بالنسبة للعلاّمة فمن صفاته:
إن العلامة يكون إنساناً ذكياً مثقفاً شديد الكفاءة والحزم ولبقاً في عرض وجهة نظرة وهو ميال بشدة إلي السيطرة والتحكم مع قدرة ضعيفة علي احتمال فكرة أن يوجهه أحد أو يخالفه في الرأي وعندما يتم تحدي قراراتهم أو آرائهم فإنهم يهبون لمواجهة هذا التحدي متشككين في دوافع من يشكك فيهم حيث إن العلامة يعتقد أن الخطأ يحط من شأن الإنسان وإنه يشعر أن قدره وواجبه أن يسيطر علي الآخرين ويؤثر عليهم ويتحكم فيهم ولذا فإنه من الصعب والمستحيل أن تعبر عن رأيك في أي شيء في حضورهم " ([18])
- كيف يتم التعامل معه ؟
عند مواجهة الشخص العلاّمة عليك أن تتغلب علي إغراء الاستياء والامتعاض بسبب رفضه المتعجرف لسماع رأي آخر وإلا ستكون أنت الخاسر في أي مناقشة معه وتدريب نفسك لتكون مرناً وصبوراً وحاذقاً للغاية في كيفية عرض أفكارك وفتح عقله لك وذلك عن طريق خطوات يجب اتباعها وهي:
1- كن مستعداً وملماً بموضوعك
حتى لا يلتقط العلامة مواطن الضعف في حديثك ليفقده مصداقيته ولأن العلامة قليل الصبر علي أفكار الآخرين فيجب عليك أن تقول ما تريد في اختصار ووضوح وإيجاز .
2- كرر كلامه باحترام
الاسترجاع الصبور لرأيه دون تسرع وبجدية يمكن أن يساعد على إعطاء طابع الاحترام والتقدير لكلامه وحينها يكون مستعداً للتوقف عن إتمام ما يريد حينما يظهر له الآخرون تقدير عبقريته .
3- ائتلف مع شكوكه ورغباته
لتصنع فراغاً في نظامه الدفاعي وحيث إن سلوكك لا يمكن أن يفسر علي أنه هجوم فلا يبقى له شيء يدافع عنه .
4- طرح أفكارك بشكل غير مباشر
اعمل بسرعة ولكن بحذر في تنفيذ هذه الخطوة بعد أن قمت بتحييد نظامه الدفاعي فالوقت قد حان لإعادة توجيهه لفكرتك أو معلوماتك ولابد من التفكير قبل أن يتحدث .
5- قم بتحويله إلي معلم لك
إذا جعلت العلامة يعرف أنك تعترف به كخبير وأنك علي استعداد للتعلم منه فستصبح أقل تهديداً وبهذه الطريقة فإن العلامة سيقضي وقتاً أطول في توجيهك بدلاً من إعاقتك ويصبح ممكناً تماماً أن تتحول من جماعة المحرومين من إبداء الرأي إلى جماعة المعترف بهم كأشخاص يمكن الاستماع لهم بأمان وبجهد أقل من ناحيتك ومقاومة أقل من ناحيته وحينما يحالف النجاح أفكارك الجيدة سوف تترك في نفس العلامة انطباعا قوياً بحكمتك وستكسب الاحترام " ([19])
ثانياً:المتعالم فمن صفاته :
"إن المتعالمين لا يمكنهم أن يخدعوا كل الناس كل الوقت ولكنهم يمكن إن يخدعوا بعض الناس بعض الوقت وبعض الناس طول الوقت بهدف جذب الأنظار ولفت الانتباه والمتعالم إن استشعر تجاهل الآخرين له بأي صورة فإنه يبذل قصارى جهده للفت بعض الانتباه إليه وهؤلاء المتعالمون حازمون في سلوكهم ويزجون بأنفسهم في حوارات وهم غير مرغوب فيهم وهم يدمنون المبالغة ولا يظنون بأنفسهم أنهم كاذبون فهم يصدقون ما يقولون حتى لو كانوا يسمعونه لأول مرة وكلما أصبحوا في موقف دفاعي كثر تكرارهم لما يقولون وهذا يؤدي في النهاية إلى مزيد من العزلة وعدم القبول من الآخرين وسرعان ما لا يحصل المتعالمون علي أي شيء من الجميع لا اهتمام ولا احترام ولا تشجيع " ([20])
- كيفية التعامل مع الشخص المتعالم 1- استخدام المواجهة اللطيفة لإخبارهم بالحقيقة فيما يتعلق بنتائج سلوكهم السلبي وامنحهم التقدير عندما يستحقونه بالفعل وبالنسبة لبعض المتعالمين لا يحتاجون أكثر من هذا حتى يتراجع سلوكهم وبالنسبة للبعض الآخر فإن هذا يعلمهم كيف يحصلون بطريقة صحيحة علي التقدير والاستحسان ووقف سيل حماقاتهم . 2- امنحهم قليلاً من الاهتمام باسترجاع تعليقاتهم بحماس لإشعارهم بالانتباه إليهم وفي نفس الوقت تجعلهم يسمعون ما يقولونه من حماقات بأنفسهم وفي نفس الوقت لابد من الاعتراف بنواياهم الإيجابية بدلاً من تضييع الوقت بمغزاها . 3- استوضح التفاصيل عن طريق طرح أسئلة استيضاحية وهذا قد يضعهم في مأزق شديد مما يجعلهم يتخذون موقفاً دفاعياً بصورة أكبر ولهذا يجب أن يتم ذلك بحذر عند طرح الأسئلة وحاول أن تبدو بريئاً أو فضولياً وقاوم إغراء أن تحرجه بشدة فالإهانة لا تصلح كسياسة طويلة المدى . 4- قل الحقائق كما هي من وجهة نظرك مع البعد عن أن تكون مصدر تهديد له قدر المستطاع قدم لحقائقك بكلمات مثل: "الطريقة التي سمعتها بها" "ما قرأته" "ما رأيته" مع تقديم دلائل غير قابلة للجدل عن طريق الاستدلال بحقائق مطبوعة فالمتعالم لا يستطيع محاربتها . 5- امنحهم فرصة للخلاص من الموقف بعد لحظة مواجهة الحقيقة واجعلهم حلفاءك بدلا من أن تحرجهم وتقلل من فرصة اتخاذهم موقف الدفاع فعلى سبيل المثال لو عرضت عليهم مستنداً يدعم كلامك تستطيع أن تقول :" ولكن ربما لم تقرأ هذه المقالة بعد " كما أن هناك مهرب آخر له تأثير كبير وهو أن تأخذ فكرة المتعالم وتحاول أن تربطها بمعلوماتك وتصرف بعد ذلك كما لو كانت فكرته ومعلوماتك بينهما ترابط بالفعل . أو تتظاهر بأن كلامهم قد ذكرك بالحقائق ثم قدر مجهوداتهم "أشكرك علي ذكرك لهذا الموضوع لقد أنعشت ذاكرتي وجعلتني أتذكر هذه المقالات" فإذا منحت المتعالم طريقه للتوافق والانسجام معك فالأغلب أنه سينحاز إليك ويصبح أقل ميلاً لتحديك في وجود الآخرين وقد يحاول أن يصبح صديقاً لك لأن أقرب شيء إلي النجاح هو أن يراك الناس مع شخص ناجح "([21])
بالإضافة إلي ما سبق فإذا كان الأمر سيتعلق برئيسك في العمل وكان ذا شخصية أنانية حيث يتغنى بلحن واحد هو أنا أنا فمن المهم أن تعمل علي تحسين صورة رئيسك خاصة أمام من هم أعلى منه ولكي تنال التقدير طوال الوقت حاول أن تجعل أفكارك هو مصدر إلهامها الذي أوحي إليك بها واعلم أنه من الصعب أن تخطف الأضواء من الرئيس الأناني المحب للتباهي فلا تحاول هذا أبدا والطريقة الأكثر فعالية هي ألا تجعله يضايقك وأفضل شيء تفعله هو اكتساب ثقته أما الآخرون المهتمون بأمر هذا الشخص فسيرونه علي حقيقته بمرور الوقت ([22]) وهذه كلها أساليب لتفريغ هذه الشخصية الأنانية المحبة لذاتها دون فظاظة . وفي تصنيف شوبنهور للسلوك الإنساني نستطيع أن تقف علي المعاني السلبية للشخصية الإنسانية
ومنها حب الذات أو الأنانية حين يميز بين خمسة أنواع مختلفة من السلوك الإنساني : 1- الفظاظة:يعتبر فظاً ذلك الداعر الذي يتلذذ بإيلام الآخرين وينشر من الشر حوله كل ما في طوقه 2- الأنانية : ويعتبر أنانياً ذلك الفرد الذي هو وإن لم يبادئ الآخرين بالأذى فإنه لا يعني بغير نفعه الشخصي ولا يتردد في أن يسحق بقدميه كل شيء وكل إنسان يقف في طريق منفعته . 3- العدالة:ويعتبر عادلاً ذلك الشخص الذي يتخذ للعمل تلك الحكمة اللاتينية(لا تعمل عملاً يؤذي غيرك) ومن هذا شأنه يتجنب ما أمكنه أن ينشر الشر حوله ولكنه يقف عند ذلك الحد دون زيادة . 4- الطيبة : ويعد طيباً ذلك الذي لا يكتفي بمجانبة الإضرار بغيره بل هو يعمل في جميع الظروف إلي مساعدة الآخرين بكل ما في وسعه . 5- التنسك : ويعد ناسكاً ذلك الذي يزهد من ناحيته في حطام الدنيا الفانية . "والفظاظة والأنانية نوعان من أنواع السلوك البشع فالفظاظة غير جديرة بأن يلتمس لها العذر والأنانية أعظم ينبوع للرذيلة كما أن المرء من الممكن أن يتظاهر بالعدل وبالطيبة والنسك من أجل أسباب مختلفة كالخوف من عذاب جهنم وإما لكسب السمعة الحسنة وإما لخداع الناس والعمل الذي يأتي علي هذا الوجه لن يدل علي أن القائم به متصف بأية خلقية حقيقية أما إذا أتي العمل بدافع الرحمة فإنه يكتسب صفته الخلقية في نظر شوبنهور فدافع الرحمة من أجل الذين نزلت بهم الكوارث فهم بحاجة إلي من يخفف آلامهم أو من أجل الألم الذي يحل بالإنسانية عامة وبه يتعذب كل حي وعلى هذا فالذي يهب العمل صفته الخلقية وقيمته الحقة هي الشعور العميق الذي بُني علي أساس المشاركة الوجدانية إنه الشعور الذي يهيج القلب إلي التفكير في ألم كل من يتألم إنه الرحمة التي تبلبل القلب وتخزه بمثل الخناجر"([23])
وفي جمع الجوامع للسيوطي رواية عن الرسول r قال : من لا يستغفر لا يُغفر له ومن لا يتوب لا يتوب الله عليه ومن لا يرحم لا يرحمه الله عز وجل " ([24])
- المنهج الإسلامي في التعامل مع الشخصية المتكبرة
من لوازم الكبر الغرور الذي يشترك فيه صنف من العلماء والعباد وأرباب الأموال والمتصوفة كما ذكر ذلك الغزالي وغيره من العلماء ([25]) وأكثروا في الطرق التي بها تعالج النفس من تلك الآفة وهي الكبر ونستطيع أن نلتمس بعض الطرق التي ترشدنا للتعامل مع هذا الصنف من الناس كما أشار إلي ذلك علماؤنا ومنها:
1- التجاهل لمن يعتد بنفسه (حتى وإن كان من طلاّب الآخرة ) وترك أمر العصاة إلي الله
وهذا ما كان يعلمه رفيع بن مهران * لتلاميذه بقوله:" اعملوا بالطاعة وأقبلوا علي المطيعين لطاعتهم ....واجتنبوا المعصية وعادوا العصاة لمعصيتهم ثم كلوا أمر العصاة إلي الله فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم وإذا سمعتم الرجل يرفع من شأن نفسه فيقول : إنني أحب في الله وأكره في الله وأفضل كذا مرضاة الله وأعرض عن كذا خوفاً من الله فلا تعتدوا به"([26])
2- عدم نصحه مباشرة ومنهم من لا يجدي معه النصح
فالشخص المرائي لا يصلح معه نصح ولا إرشاد ولا ينفع معه علم ولا معرفة وإن تظاهر بالصدق " ..عن عكرمة قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام للحواريين يا معشر الحواريين لا تلقوا اللؤلؤ للخنزير فإنه لا يصنع به شيئاً ولا تعطوا الحكمة من لا يريدها فإن الحكمة أحسن من اللؤلؤ ومن لا يريدها أشر من الخنزير " ([27])
3- عدم التواضع للمتكبرين
يقول صاحب " جامع السعادات " ينبغي ألا يتواضع للمتكبرين إذ الانكسار والتذلل لمن ينكر ويتعزز مع كونه من التخاسس والمذلة المذمومة يوجب إضلال هذا المتكبر وتقريره علي تكبره وإذا لم يتواضع له الناس وتكبروا عليه ربما تنبه وترك التكبر إذا المتكبر لا يرضى بتحمل المذلة والإهانة من الناس ولذا قال رسول الله r " إذا رأيتم المتكبرين فتكبروا عليهم فإن ذلك لهم مذلة وصغار " ([28])
ومما ذكره أبو العتاهية في هذا الصدد قوله :
يا من تشرّف في الدنيا ولذتهـا ليس التشرف رفع الطين بالطين إذا أردت شريف الـقوم كلهم فانظر إلي ملك في زى مسكين ([29])