نوادر العُشَّاق


ما العاشق إلا غصنٌ مورق أزهر في خلاله الحبُّ فأثمر حلوَ العفاف، فهو لا يرتاح إلَّا إلى طير يشكو نوى إلفِه، ولا يروق له في واسع الفلاة إلَّا تنسم ريح الصبا الحاملة شذا الحبيب، فلله ما أحلى الحبَّ إذا توشَّى ببرد الصفا، وما أبهى سناهُ إذا استمدَّ من لظى القلب الطاهر نورًا ساطعًا بهيًّا؛ فهو لعمري السلم المؤدية إلى العلياء التي لا يرتقيها إلَّا قومٌ أنزلت على قلوبهم آيات العفاف، بل الروح السارية في النسيم سرى الصفاء في الهوى العذري أو الإقدام في قلب الفارس الشجاع، وحسبه وصفًا أنه يطرق القلوب فيدمث الأخلاق، ويغشى الفؤاد فيوحي إليه شمائل تغني عن الشمول، ولله دَرُّ ابن الفارض حيث يقول:

اقتباسات من الكتاب[1]

عدل
  • "غضب المأمون يومًا على جاريته عريب المغنية، وكان كلفًا بها، فأعرض عنها وأعرضت عنهُ، ثم أسلمه الغرام وأقلقه الشوق حتى أرسل إليها يطلب مراجعتها، فلما اجتمعا لم تلتفت إليه، وكلمها فلم ترد عليه، فأنشأ يقول: تكلم ليس يوجعك الكلامُ ولا يذري محاسنك السلامُ أنا المأمون والملك الهمام ولكني بحبك مستهامُ يحق عليك ألا تقتليني فيبقى الناس ليس لهم إمامُ"
  • "كان المأمون مشغوفًا بحب جارية تُدعى نسيم، وكانت ذات عقل وأدب وفضل وكمال لا يفارقها ولا يهوى سواها، ففي ذات يوم نظر إلى جارية حسناء لطيفة اللون رشيقة القد فمال إليها لأنها كانت أحسن منها، وأعرض عن جاريته نسيم، فاغتمت لذلك ولم تجد حيلة لاستعطافه، وكانت لها جارية رومية ذات عقل وأدب ولطف قد كتمت أمرها عن المأمون، فاتفق أن المأمون اعتل جسمه قليلًا ثم شُفي فجعل الناس يدخلون عليه بأصناف التحف والهدايا، فأهدت إليه نسيم الجارية المذكورة هدية ومعها جام بللور وغطته بمنديل فاخر مكتوب عليه بالذهب هذه الأبيات: اشرب بهذا الجام يا سيدي مستمتعًا بهذه الجارية واجعل لمن أهداكها زورة تحظى بها في الليلة الثانية"
  • "قال دعبل الخزاعي: كنت جالسًا بباب الكرخ إذ مرت بي جارية لم أرَ أحسن منها، ولا أعدل قدًّا، وهي تنثني في مشيتها وتسبي الناظرين بتثنيها، فلما وقع بصري عليها افتتنت بها وارتجف فؤادي وآنست من قلبي ارتحالًا، فأنشدت معرضًا بهذا البيت: دموع عيني بها انقضاضُ ونوم جفني به انقباض فنظرت إليَّ واستدارت بوجهها وأجابتني بسرعة بهذا البيت: وذا قليل لمن دعته بلحظها الأعين المراضُ"
  • "كان غسان بن جهضم مفتونًا بحب ابنة عمه أم عقبة، وكانت من أجمل النساء وأحسنهن وأفضلهن خصالًا، فلما حضرته الوفاة جعل ينظر إليها ويبكي، ثم قال لها: إني منشدك أبياتًا أسألك فيها عما تصنعين بعدي وأرجوك أن تصدقيني، فقالت: قل فوالله لا أكذبك أمرًا، فأنشد: أخبري بالذي تريدين بعدي ما الذي تضمرين يا أم عقبهْ تحفظيني من بعد موتي لما قد كان مني من حسن خلقٍ وصحبهْ أم تريدين ذا جمال ومالٍ وأنا في التراب رهن سجنٍ وغربهْ"
  • "قال ابن الأشدق: كنت أطوف بالبيت فرأيت شابًّا تحت الميزاب قد أدخل رأسه في كسائه وهو يئن كالمحموم، فسلَّمت، فرد السلام ثم قال: من أين؟ قلت: من البصرة. قال: أترجع إليها؟ قلت: نعم. قال: فإذا دخلت النباج فاخرج إلى الحي ثم نادِ: يا هلال يا هلال، تخرج إليك جارية فتنشدها هذا البيت: لقد كنت أهوى أن تكون منيتي بعينيك حتى تنظري ميت الحب"

المصادر

عدل