عصام أحمد البشير

سياسي سوداني


عصام الدين البشير عالم وداعية سوداني، الأمين العام السابق للمركز العالمي للوسطية، ووزير الأوقاف السوداني سابقاً، حاصل على دكتوراه في علم الحديث، والأمين العام لمنتدى النهضة والتواصل الحضاري، وعيّن في العام 2012م رئيسا لمجمع الفقه الإسلامي بجمهورية السودان

من أقواله: عدل
إن مشكلة كبوتنا الراهنـة ليست - في جوهرها العميق - مشكلة وسائل وإمكانات مادية ، بقدر ما هي مشكلة أفكار .. أفكار معتدلـة على السواء : ننـظم بها خطانا في ثبات الأديم ، وندفع بها طاقاتنا في مَـضاء العزيمة ، ونحشد بها وسائلنا في أرض الإنجاز ! .
لا يُـغني كونُ الفكرة حـقًّا وخيراً عن ضرورة مراعاة جماليات عَـرضها وطَـرحها، وإلا.. فكم من حَـقٍّ ضَيـَّـعه أهلُه بسوء عرضه ! وكم من خيـرٍ لم يَـلْـقَ مُجيباً بـقُـبْح الدعوة إليه !.
نهضتنا المنشودة ، المبنيـةُ على فـكر الوسطـيـة والاعتدال ، ولادةٌ جـديـدةٌ للأمة المسلمة- بَـدءاً- في جميع المجالات، بروحٍ تجمع بين كلٍّ من: الإيجابية ، الـجِـدِّيـَّـة ، الإتـقان ، استثمارِ الأوقات، استغلالِ الموارد الطبيعية والبشرية ، التخطيطِ العلمي .. ولا بُـدَّ في هذا السياق من تحويل الأفكار العظيمة إلى مشروعات ، والآمالِ الطَّـموحة إلى خطط وبرامج . لا بُـدَّ من توفُّـر شروط تحقيق «أمل النهضة» كي لا يـبقى هذا الأمل العزيز «حُـلُـماً تاريخـيًّا» ! .
يجب على الخطاب الإسلامي تقديم الإسلام منهجاً مرتبطاً بالزمان والمكان والإنسان، موصولاً بالواقع، مشروحاً بلغة العصر، جامعاً بين النقل الصحيح والعقل الصريح، منفتحاً على الاجتهاد والتجديد وَفْـقَ مِنهاج النظر والاستدلال المعتبَـر عند أهل العلم، ثابتاً في الكُـلِّـيـَّـات والأصول، مَـرِناً في الـجُـزئيـَّـات والفروع، محافظاً في الأهداف، متطوراً في الوسائل، منتفعاً بكل قديـمٍ صالح، مرحِّباً بكل جديدٍ نافع، منفتحاً على الحضارات بلا ذَوَبان، مراعياً الخصوصياتِ بلا انكفاء، ملتمساً الحكمـةَ من أي وِعاءٍ خرجت، عاملاً على تعزيز المشترك الحضاريِّ والإنسانيّ.. مرتبطاً بالأصل.. ومتصلاً بالعصر. .
الترقي في مدارج العبودية يستلزم مراعاة التلازم بين الظاهر والباطن وتكاملهما.. بإقامة الشعائر والمناسك الظاهرة، ومراقبة الخواطر والمشاعر الباطنة.. وهذا ما يجعل المسلم سائراً إلى ربه سَيـْـراً صحيحاً موافقاً للمطلوب منه: ظاهراً وباطناً، بحيث يتوازن كمالُ الـهَـيئات الظاهرة مع جمال الـكَيفيات الباطنة، بمراعاةٍ تامة لـفِـقْـهَـي الظاهر والباطن وأعمال القلوب والجوارح.. تزكيـةً وإحساناً.
إن شعوب العالم كافـةً شَـريكـةٌ في الإرْث الإنساني العامّ ، وبـوُسْعها جميعاً المساهمةَ بجدارةٍ في صنع الحاضر والمستقبل ، ويمكن أن يتم التفاعل بمقتضى هذه الحقيقة دون إلغاءٍ أو إقصاء أو تهميش باعتبارها إثراءً للتجـرِبة الإنسانية المشتركة، فالتواصل بين خلق الله كافـةً واجبٌ .. لكن : دون استعلاءِ طَـرَف وذَوَبانِ آخر؛ واعتـزازُ كلٍّ بـهُـوِيـَّـتِـه مطلوبٌ .. لكن : دون تقوقعٍ ولا انغلاق؛ والتسامحُ بين الشعوب ، فيما وقع خلال التاريخ من مثالبَ وأخطاءٍ ، مستحبٌّ .. لكن: دون تهاونٍ في الحقوق ونسيانٍ للدروس الإيجابية ! وإقامـةُ العدل الناجـز متعيـِّـنٌ في ظـلِّ وَحْـدةِ معيارٍ واستقامةِ ميزان.
الأصل في الدينيات: التوقيفُ واتـِّـباعُ ما جاء به النبي التزاماً بما بـه أمـر، وامتناعاً عما عنه نَـهَى: «وما آتـاكم الرسولُ ؛ فخذوه، وما نهاكم عنه ؛ فانتهوا» (سورة الـحَـشر، الآية:7). والأصل في الدُّنـْيـَويـَّات وأمور الـمَـعاش والحياة: الإبداعُ والتجديدُ، وعدمُ الركون إلى ما سبق علـمُه أو إنجازُه. وقد قال النبيُّ الأكرمُ صلوات الله عليه عندما التزم أصحابـُـه حَـرْفِـيـَّـةَ إشارته إلى أمرٍ من أمور النَّخْـل فـقَلَّت جَـودتُه: «إذا أمرتُكم بشىءٍ من دينكم ؛ فخُـذُوا به، وإذا أمرتُكم بشىءٍ من رأْيٍ ؛ فإنما أنا بَـشَـرٌ»، وفي الواقعة ذاتها قال أيضاً: «أنتم أعلمُ بأمور دنياكم».
يجب صون الفكر الإسلامي عن الفهم السقيم بسبب خرافاتٍ في العقيدة، ومبتدعاتٍ في العبادة، وسلبياتٍ في التربية، وجمودٍ في الفكر، وتقليـدٍ في الفقه، وتفريـطٍ في السنن.. ولا شئ يتصدى للوقاية من هذه الأدواء جميعاً وعلاجِـها غيـرُ المنهج الوسطي الذى يكفُل للأمة أن تعيش زمانَـها وأن تتكيفَ مع واقعها، من غير أن تذوب هُـويـَّـتُـها أو أن تتخلَّـى عن حقها في أن تكون لها شخصيتُها الحضاريـةُ المستـقلِّـة.
إذا لم يكن بُـدٌّ من انتقاد شخصٍ أو جماعةٍ أو فكرةٍ ؛ فليكن بالإنصاف والاعتدال، ومعرفةِ الرجال والأفكار بالحق لا العكس، والانطلاق من أنه لا معصومَ إلا مَـن عَـصَم اللهُ.
من أعظم ما يجب أن ننشغل به: العمل على ترجمة الأهداف المبتغاة والنتائج المرجُـوَّة إلى مشاريعَ عملية وبرامجَ تنفيذية.. نرابط بالاشتغال بها على ثغور الأمة المختلفة وجبهاتها المتعددة ؛ لتتحصن الأمة بما يعينها على تمحيص الماضي، وإبصار الواقع، واستشراف الغد المشرق المأمول. ولا يكون هذا على النحو الأجود إلا باعتماد مبادئ العمل الجماعي بروح الفريق الضامنـةِ فاعليةَ المؤسسة: استمراراً واستقراراً، قدرةً وفاعليـةً، كفاءةً وجَـدارةً.. عبرَ وضع الاستراتيجيات، وتخطيط البرامج، واحتضان الكفاءات المتخصصة والمتميزة في مختلف مجالات العمل. وبهذا فقط يحين أوان الانتقال من سكب الدموع إلى إيقاد الشموع، ومن المحنة إلى المنحة، ومن الشعارات إلى البرامج!.
إن كان في الحضارة الغربية من العناصر ما هو فاسد مفسد؛ فبعض من الأفكار والنظريات التي ورثناها عن أسلافنا المسلمين هو أيضاً فاسد مفسد. وما لم نتصدّ بالدراسة لتراثنا وتقاليدنا بالموضوعية نفسها والهدوء والمعايير العلمية والحرص على تجنّب الآراء التحكمية؛ فما من أمل يبقى في قدرتنا على مواجهة التحديات المعاصرة. كما أنه ما لم نولِ اهتمامًا بما يمكن للدين أن يحققه لخير الإنسان الاجتماعي والاقتصادي مماثلاً لاهتمامنا بما يمكن للإنسان أن يفعله من أجل تمجيد الخالق؛ فما من أمل يبقى في قدرة الإنسان على حل المعضلات..
يجب أن نولي مـقاصد الـشرع الـحـنيـف أهميـة قصوى فهي التي تحدد اتجاه الفقيه عند الاجتهاد، والمفتي عند الإفتاء، والباحث عند إبداء الرأي لا سيما في النوازل التي لم تـعهـد قبل لأن من لم يـحكم ضـبـط الـكليات يضطرب ولا يحسن فهم وعلاج الـجـزئيات وإنزالها على الواقع المتجدد، ومعلوم أن النصوص محدودة والوقائع متجددة.