الفصول
الفصول (1922) هو كتابٌ للأديب والفيلسوف، عبّاس محمود العقاد [1]
مقتطفات
عدل
«الكتب كالناس؛ منهم السيد الوقور، ومنهم الكيس الظريف، ومنهم الجميل الرائع، والساذج الصادق، والأريب المخطئ، ومنهم الخائن والجاهل والوضيع والخليع. والدنيا تتسع لكل هؤلاء. ولن تكون المكتبة كاملة إلا إذا كانت مثلًا كاملًا للدنيا
يقول لك المرشدون: اقرأ ما ينفعك. ولكني أقول: بل انتفع مما تقرأ، إذ كيف تعرف ما ينفعك من الكتب قبل قراءته؟
إن القارئ الذي لا يقرأ إلا الكتب المنتقاة كالمريض الذي لا يأكل إلا الأطعمة المنتقاة. يدل ذلك على ضعف المعدة أكثر مما يدل على جودة القابلية
واعلم أن من الكتب الغث والسمين، وأن السمين يفسد المعدة الضعيفة، وأنه ما من طعام غث إلا والمعدة القوية مستخرجة منه مادة غذاء، ودم حياة وفتاء. فإن كنت ضعيف المعدة فتحامَ السمين كما تتحامى الغث، وإن كنت من ذوي المعدات القوية، فاعلم أن لك من كل طعام غذاء صالحًا»
«ثمَّ أعلمُ أنّه ليس بأنفس الكتب ولا بأجلّها الكتاب الذي تتوقّ إلى إعادته بعد قراءته، وليس بأفرغ الكتب ولا بأقلها الكتاب الذي تقنع بتركه بعد الفراغ منه. فإنك ربما صادفك الكتاب الأجوف المغلق فأعجبتك رنّته فجعلت تقلبه على كل جنب لعلك أن تخلُص إلى لبابه ولا لباب له, وربما صادفك السفر القيم الشافي فانتهيت إلى آخره مرتاحا مصدقا فقنعت بذلك منه. وقد عهدنا الناس يمنعهم البخيل فيراجعونه ويلحّون عليه, ويعطيهم المُنعم الكريم فيهجرونه ويُعرِضون عنه. وتلك ضرائبهم في مصاحبة الكتب. فلا تكن في المطالعة من هؤلاء»
[3]
«-السخر بالحياة-
من الناس من يسخر بالحياة سخر الممعود بالمائدة. ومنهم من يسخر بها سخر المتخوم المكتظ بطعامها. فالأول يسخر بالحياة؛ لأنه لا حظ له فيها، والآخر يسخر بها؛ لأنه أصاب منها جميع حظوظها. وربما كان الأول أفطن إلى العيوب وأسرع وقوعًا على القبائح المتوارية من صاحبه؛ لأن رغبته في إظهار هذه العيوب والقبائح مقرونة بألم السخط والحرمان»
[4]
«أيهما خير للناس جميعًا وللأقوياء والضعفاء معًا: أن يكون القوي عادلًا ينصف الضعفاء من نفسه، ولا يستأثر بحظ من حظوظ الحياة دونهم، فيظل قويٍّا بلا منفعة له من قوته، ويظلون هم ضعفاء بلا ضير عليهم من ضعفهم، أم أن يكون مفتئتًا طاغيًا يؤرث باستعلائه وكبريائه نيرانهم، ويتغلغل بسطوته في دخيلة نفوسهم وفي حيث يخامر الذل قلوبهم، فلا يدع ثَمَّ موضعًا من مواضع الدعة إلا زلزله، ولا عدة من عدد النهضة إلا شحذها، حتى يضطرهم اضطرارًا إلى تنكب أسباب الضعف والأخذ بأسباب القوة؟
الذي يحصل هو هذا، والذي يتمناه الناس هو ذاك، ولكن الذي يحصل هو الخير والرحمة، والذي تمنوه هو الضير والوبال ما دام في الأرض ضعف وقوة فمن الرحمة بالعالم أن لا يتساوى الضعفاء والأقوياء»